فصل: ذكر الجهة التي كان صلّى الله عليه وسلّم يستقبلها في صلاته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورواه أبو الدرداء عن برد عن عطاء عن جابر مثله سواء، إلا أنه قال في اليوم الثاني في المغرب: ثم جاءه حين وجبت الشمس لوقت واحد فذكره، قال: ثم جاء نحو ثلث الليل للعشاء فذكره، ثم جاء حين أضاء الصبح ولم يقل: والنجوم بادية مشتبكة.
وأما حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، فذكره ابن عبد البر من طريق محمد بن سنجر قال: حدثنا سعيد بن الحكم حدثنا ابن لهيعة قال: حدثني بكر بن عبد الله الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الساعدي أنه سمع أبا سعيد الخدريّ يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمني جبريل في الصلاة فصلّى الظهر حين زالت الشمس، وصلّى العصر حين كان الفيء قامة، وصلّى المغرب حين غابت الشمس في وقت واحد، وصل العشاء ثلث الليل، وصلّى الصبح حين كادت الشمس أن تطلع، ثم قال: الصلاة فيما بين هذين الوقتين. قال ابن عبد البر: هذا ما في إمامة جبريل بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم من صحيح الآثار، قال:
واحتج من زعم أن جبريل صلّى بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في اليوم الّذي يلي ليلة الإسراء مرة واحدة الصلوات كلها لا مرتين على ظاهر حديث مالك في ذلك، فذكر من طريق أحمد بن زهير قال: حدثنا هدبة بن خالد عن هشام عن قتادة، قال فحدثنا الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بهم الظهر أربع ركعات يؤم جبريل عليه السلام محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، فلما زالت الشمس نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بهم العصر أربع ركعات وهي أخف، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد، وسلم محمد على الناس، فلما غربت الشمس نودي الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم فصلّى بهم ثلاث ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين وسبح في الصلاة الثالثة- يعني به قام لم يظهر القراءة- يؤم جبريل محمدا ويؤم محمد صلّى الله عليه وسلّم الناس، ويقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، فلما بدت النجوم نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بهم أربع ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين وسبح في الأخريين، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، ثم رقدوا ولا يدرون أيزادون أم لا؟ حتى إذا طلع الفجر نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بهم ركعتين أسمعهم فيها القراءة، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، وصلّى الله على جبريل ومحمد وسلم تسليما كثيرا.
ففي هذا الخبر أن جبريل لم يصل الصلوات الخمس بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلا مرة واحدة، وهو وإن كان مرسلا فإنه حديث حسن مهذب.
واحتجوا أيضا فذكر من طريق أحمد بن زهير وعبيد بن عبد الواحد قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عتبة ابن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير قال: وكان نافع بن جبير كثير الرواية عن ابن عباس، قال: فلما فرضت الصلاة وأصبح النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال نافع ابن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلّى الله عليه وسلّم من ليلة أسري به لم يرعه إلا جبريل، نزل حين زاغت الشمس، ولذلك سميت الأولى، فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة فاجتمعوا، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالناس، طوّل الركعتين الأوليين ثم قصر الباقين، ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي صلّى الله عليه وسلّم على الناس، ثم نزل في العصر على مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر، ثم نزل في الليل في أوله فصيح الصلاة جامعة، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالناس، طول في الأوليين وقصر في الثالثة، ثم سلم جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسلم النبي على الناس، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل، فصيح الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى النبي بالناس، فقرأ في الأولين فطوّل وجهر، وقصر في الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسلم النبي صلّى الله عليه وسلّم على الناس، فلما طلع الفجر فصيح الصلاة جامعة، فصلّى جبريل بالنبيّ، وصلّى النبي بالناس، فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته، وسلم جبريل بالنبيّ، وصلّى النبي بالناس، فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته، وسلم جبريل على النبي، وسلم النبي صلّى الله عليه وسلّم على الناس.
قال ابن عبد البر: فقال: من ذكرنا حديث نافع بن جبير هذا مثل حديث الحسن في أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصلوات الخمس إلا مرة واحدة، وهو ظاهر حديث مالك، والجواب عن ذلك ما تقدم ذكرنا له من الآثار الصحاح المتصلة في إمامة جبريل لوقتين، وقوله: ما بين هذين وقت.
وفيها زيادة يجب قبولها والعمل بها لنقل العدول لها، وليس تقصير من قصّر عن حفظ ذلك وإتقانه والإتيان به بحجة، وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في قول من قصر وأجمل واختصر، على أن هذه الآثار منقطعة، وإنما ذكرناها لما وصفنا، ولأن فيها أن الصلاة فرضت في الحضر أربعا لا ركعتين على خلاف ما زعمت عائشة، وقال بذلك جماعة، وردّوا حديث عائشة رضي الله عنها، وإن كان إسناده صحيحا لضروب من الأعمال، والله سبحانه وتعالى الموفق بمنه وكرمه.

.ذكر الجهة التي كان صلّى الله عليه وسلّم يستقبلها في صلاته:

ذكر ابن جريج في تفسيره، وذكر سنينة عن حجاج عن ابن جريج قال: صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم أول ما صلّى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه صلّى الله عليه وسلّم بثلاث حجج، وصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله إلى الكعبة.
قال ابن عبد البر: وهذا أمر قد اختلف فيه، وأحسن شيء روى في ذلك فذكر من حديث أبي عوانة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي نحو بيت المقدس وهو بمكة، والكعبة بين يديه، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا، ثم صرفه الله إلى الكعبة.
وخرج مسلم من حديث عفّان قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} 2: 144، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. قال أبو عمر بن عبد البر: وروى أن المخبر لهم بما في هذا الحديث هو عباد بن بشر.
روى إبراهيم بن حمزة الزبيري قال: حدثني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد ابن سلمة عن أبيه عن جدته تويلة بنت أسلم، وكانت من المبايعات، قالت: كنا في صلاة الظهر فأقبل عباد بن بشر بن قيظي فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد استقبل الكعبة- أو قال: البيت الحرام- فتحول الرجال مكان النساء، وتحول النساء مكان الرجال.
وخرج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول: صلينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة. وقال البخاري: ثم صرفه نحو القبلة. ذكره في التفسير في باب قوله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها} 2: 148.
ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت الآية التي في البقرة {وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 2: 144، فنزلت بعد ما صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون، فحدثهم بالحديث، فولوا وجوههم نحو القبلة، وهو البيت وخرج البخاري من حديث زهير، حدثنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده- أو قال: على أخواله- من الأنصار، وأنه صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلّى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلّى معه قوم، فخرج رجل ممن صلّى معه فمر على مسجد فيه قوم راكعون فقال: أشهد باللَّه لقد صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولي وجهه قبل البيت أنكروا ذلك.
قال زهير: حدثنا أبو إسحاق في حديثه عن البراء أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فهيم، فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَما كانَ الله لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} 2: 143، ذكره في كتاب الإيمان، وذكره في التفسير مختصرا، وذكره في كتاب الصلاة، وفي باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق.
وخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة، وقال البخاري: فاستداروا إلى القبلة، ذكره في التفسير وفي كتاب الصلاة، وفي باب إجازة خبر الواحد الصدوق.
وقال ابن عبد البر: وأجمع العلماء أن شأن القبلة أول ما نسخ من القرآن، وأجمعوا أن ذلك كان بالمدينة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس، وأمر إلى الصلاة إلى الكعبة بالمدينة، واختلفوا في صلاته حين فرضت عليه الصلاة بمكة، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة؟ فقالت طائفة: كانت صلاته إلى بيت المقدس من حين فرضت عليه الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة، ثم بالمدينة سبعة عشر شهرا أو نحوها حتى صرفه الله إلى الكعبة.
ذكر سفيان عن حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يستقبل صخرة بيت المقدس، فأول ما نسخت من القرآن القبلة، ثم الصيام الأول، قال ابن عبد البر: من حجة الذين قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما صلى إلى بيت المقدس بالمدينة، وأنه إنما كان يصلى بمكة إلى الكعبة، فذكر حديث البراء ثم قال: فظاهر هذا الخبر يدل على أنه لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس لا قبل ذلك، ويدلل على ذلك أيضا، فذكر من حديث عبد الله بن صالح، حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أول ما نسخ الله من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 2: 144- يعني نحوه- فارتاب اليهود من ذلك وقالوا: {ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها} 2: 142؟ فأنزل الله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} 2: 142، {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} 2: 115، وقال: {وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ من يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ} 2: 143، قال ابن عباس: ليميز أهل اليقين من أهل الشك، قال ابن عبد البر: ففي قول ابن عباس هذا من الفقه: أن الصلاة لم ينسخ منها شيء قبل القبلة، وفيه أنه كان يصلي بمكة إلى الكعبة، وهو ظاهره أنه لم يصل إلى بيت المقدس إلا بالمدينة وهو محتمل غيره.
وقال أبو إسحاق الحربي: ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس تمام سنة إحدى عشرة أشهر، وصلى من سنة ثنتين ستة أشهر ثم حولت القبلة في رجب.
وقال موسى بن عقبة وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك أن القبلة صرفت في جمادى.
وقال الواقدي: إنما صرفت صلاة العصر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان.
وذكر أبو بكر أحمد بن علي الرازيّ الحنفي في كتاب أحكام القرآن: أن من الناس من يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان مخيّرا في أن يصلي إلى حيث شاء، وإنما كان توجهه إلى بيت المقدس على وجه الاختيار لا على وجه الإيجاب حتى أمر بالتوجه إلى الكعبة، وكان قوله تعالى: {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} 2: 115 في وقت التخيير قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة، والله الموفق.

.ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلّم من الملائكة:

خرج الإمام أحمد من حديث ابن عدي عن داود عن عامر الشعبي: نزلت عليه صلى الله عليه وسلّم النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، وكان يعلمه الكلمة والشيء. لم ينزل من القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام، فنزل القرآن على لسانه عشرين، عشرا بمكة وعشرا بالمدينة.
ولحديث ابن سعد من حديث وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، وكان معه إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين قرن بنبوته ثم عزل عنه إسرافيل عليه السلام، وقرن به أيضا جبريل عليه السلام بمكة عشر سنين مهاجره بالمدينة، قال ابن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن برسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأن علماءهم وأهل السير منهم يقولون: لم يقرن به صلى الله عليه وسلّم غير جبريل صلوات الله وسلامه عليه من حيث أنزل عليه صلى الله عليه وسلّم الوحي إلى أن قبض صلى الله عليه وسلّم، وصحح الحاكم ذلك، والله سبحانه الموفق بمنه. اهـ.

.تفسير الآيات [31- 33]:

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما دل سبحانه بملازمتهم للاستهزاء بهذا الإنذار على أنهم غير منفكين عن مذاهب الكفار، ذكر تصريحهم بذلك وحالهم في بعض الأوقات المنطبقة عليها الآية السالفة في قوله: {وقال الذين كفروا} حيث عبر بالموصول وصلته في موضع الضمير، قطعًا للأطماع عن دعائهم: {لن نؤمن} أي نصدق أبدًا، وصرحوا بالمنزل عليه صلى الله عليه وسلم بالإشارة فقالوا: {بهذا القرآن} أي وإن جمع جميع الحكم والمقاصد المضمنة لبقية الكتب {ولا بالذي بين يديه} أي قبله من الكتب: التوراة والإنجيل وغيرهما.